الجمعة، 30 أغسطس 2013

فـلاسـفـة أورانوس



أكاد أجزم بأن الفنون التشكيلية الحديثة كانت نبوءة الفنان بخروج الإنسان إلي الفضاء الخارجي ، فمن فلسفة الخلق أنك دائماً في حاجة لأن يراك الآخرون و ذلك لعجزك عن رؤية نفسك ، حتي إذا ما فرغ الفلاسفة من الرؤي الفردية باتت الحاجة ضرورية لرؤية أكثر شمولاً و أكثر جماعية  فكان الإتجاه إلي الأبعد  ... و الأبعد حين نرغب في رؤية هذا بنظرة جامعة لابد و أن يكون الأفق البعيد ، و ربما لهذا أطلقت علي هذه المجموعة من التشكيليين 
إسم ( فلاسفة أورانوس ) ، و ربما أوحت إليّ بهذا التعبير سفينة  
   صناعة النحات العبقري أرمين أجوب _ ZATRA _ الفضاء 

رائعة التصميم تبعث علي الرهبة كذلك 
إذا فكرت يا صديقي في زيارة المرصد الخاص بهؤلاء العمالقة فإنهم يدعونها  ( قاعة الفن بالزمالك ) ستجد سفينتهم الفضائية رابضة إلي جوار لوحتين كبيرتين إحداهما للفنان محمد عبلة وًالأخري للفنان الراحل عبد الرحمن النشار  ... و الطريف أن كلاهما تتميز لوحاته بوضوح الرؤية و غموض الهدف !! فأمّا
محمد عبلة فقد عاد بنا إلي خمسينيات أوروبا من حيث ملامح الأشخاص و الأزياء كذلك

و ستجد بساط اللوحة ممتلئاً بالكثير من التفاعلات الجميلة و التي لن تستغرق وقتاً طويلاً لمعرفة نتائجها 
و أمّا النشار فقد عاد بنا إلي خمسينيات الشرق حيث بزوغ فجر الإستقلال في مصر و العالم الشرقي عموماً 
و حيث لا يوجد إلا لونُ واحد طغي علي جوانب اللوحة بالكامل 
إنه لون الحرية ... كان لوناً واحداً و الآن ما أكثر الألوان التي اختلطت بها حياتنا كما يقول محمد عبلة في اللوحة التي أمامك 
الآن _ رأس الإنسان _ رأس الإنسان الذي بات يحمل من الهموم 
أكثر مما يحتمل ، و لكنه يحمل كذلك طموحات كبيرة كما ستري في هذه اللوحة خلفك .. إنه بورتريه جميل للفنان فاروق حسني 

ألا تري اللوحة بوضوح ؟ .. إنه هو نفسه فاروق حسني يتمني
أن يزين هذا البورتريه الجدار الذي يحمل صور حكام اليونسكو
في باريس ... و لتفصيلات أكثر يمكنك 
الذهاب إلي الردهة الوسطي بالمعرض .. ستجده هناك محلقاً
فوق سماء باريس متشحاً بعلم بلاده في طريقه إلي الهبوط بمطار شارل ديجول العظيم ... و ها هو إلي يمينك الرجل القائم علي توجيه عملية الهبوط و إلي يسارك برج إيفل يزين سماء فرنسا
فرنسا التي قدست الحضارة المصرية القديمة كما لم يفعل أحدٌ اللهم إلا القليل كما ستري في اللوحة المواجهة لنا الآن .. إنها لعبد الرحمن النشار 
أراه يتخيل أربع مومياوات تمثل أسرة مصرية صغيرة و قد بعثت للحياة من جديد لا يفصل بيننا و بينهم إلا هذا الجدار الغامض ، و
أمّا فيما تتحادث هذه الأسرة فهذا ما سأعرفه فيما بعد .. عليّ الآن
التوجه للمسئولين علي عجلٍ لإنقاذ هذه اللوحة الهامة قبل أن تذبحها عوامل الزمن ، و الغريب أن اللوحة تجاور هذه الغرفة التي أطلقت عليها غرفة المذبح لطغيان طولها علي عرضها 
إنني بداخلها الآن أقوم بتسجيل تعليمات الحكيم المصري مصطفي عبد المعطي .. إنه يقول في هذه البردية الملونة أن من أهمل ماضيه فقد مستقبله 
إنها حكمة مسجلة في الكتاب السماوي كذلك .. لقد اقتبس من حياتنا المعاصرة إشارات المرور بلونيها الأساسيين الأخضر و الأحمر _ إفعل .. لا تفعل _ إنه يوجه حديثه لهذا القادم من بعيد
إنها الأجيال القادمة ، و قد سبق و أخبرني عند دخولي من باب القاعة في لوحته إلي اليسار أن الحضارة المصرية القديمة هي المنارة التي اهتدت بها البشرية ، و قد ابتسمت في فخرٍ و أنا أري
جذور هذه المنارة ضاربة في اعماق الأرض 
و يعلو هذه المنارة ما يشبه آلة التصوير تقوم بتسجيل التجارب و الخبرات ، و لكنه هنا في هذه الغرفة الصغيرة يأبي أن يخبرني بأسرار بناء الهرم ... لقد اكتفي بتأكيد ما قاله المصريون القدماء 
من قبل ... و إذ انبعث أمل معرفة هذا السر عند الفنانة 
زينب السجيني 
أجدني و قد خرجت بنفس النتيجة ، لقد قامت بتشييد الهرم الأوسط أمامي مستخدمة أدوات خشبية .. لقد جعلتني أري أسرار الجمال و لكنها كتمت عني أسرار البناء ... ربما كان هذا يتفق مع طبيعة المرأة !!! فأنا الآن حائرٌ أمام لوحة الربيع للفنانة جاذبية سري 

إذ الطرقات و قد افترشتها الزهور و إذا بي أمام لعبة الرسوم المتداخلة .. هل تعرف هذه اللعبة يا صديقي ؟ ...لقد بحثت عن نفسي داخل هذه الرسوم .. لقد وجدتني بالفعل إلي أسفل منتصف اللوحة يميزني لون أخضر عشبي .. و هناك إلي أعلي ؟ أظنها ابنة الجيران الجميلة بألوان ملابسها الزاهية ... إنني أعشق المرح و لا أمانع أبداً في مشاركة الآخرين آلامهم ، و إن كنت لا أدري أي لحظات ألم مرت بفنانة الجاذبية في لوحتها هذه _ شمس الغروب _ إنها لوحة يغلفها الحزن و الحزن يبعث علي التأمل 
سأعود إذاً إلي الردهة الوسطي ... فهناك لوحتان أعرف أنني سأقف أمامهما طويلاً .. إنها المرة الأولي التي أحضر معرضاً جماعياً و هي كذلك المرة الأولي التي أقف فيها أمام لوحة عالمية 

إنها لوحة للدكتورة رباب نمر و هي للعلم زوجة حارس الهرم الدكتور مصطفي عبد المعطي ... إنها لوحة عائلية للغاية تجتمع فيها كل الشروط الخمس للوحة العالمية .. إنها لوحة الدفء
و إنها تعشق وطنها كذلك .. لا أدري إن كان هناك من سبقها 
إلي خلق هذا الإنطباع لدي المتلقي .. إنها أعمال نحتية بالألوان الزهرية ... هذا هو الإنطباع الذي سيتولد لديك و أنت أمام لوحاتها
المملوءة بالأوسمة .. هذه الأوسمة التي تزين صدر المقاتل في حديث الدكتور حامد عويس في لوحته العظيمة هناك بالردهة الأولي 
هذا المقاتل المرتبط بالأرض حتي النخاع .. بإحدي يديه السلاح و يحتضن بالأخري تراب الوطن بكل شخوصاته من بشر و أرض و زروع و مبان .. يحتضن جد الكبار و لعب الصغار .. إنه نشيد قومي عزفته الفرشاة ... نشيد غاية في البساطة كما هي
بساطة الفنانة زينب السجيني ... المعتزة بوطنها و بتراث زوجها 
الفنان عبد الرحمن النشار ...إنها فنانة كل العصور 

كما أنني لا أتخيل الحياة بلا فلاسفة يا صديقي .. لهذا أدعوك لزيارة هذا المعرض الرائع ... فقط لا تستصعب الأمور الفلسفية
فهم ينطبق عليهم قول الشاعر
كالبدر أفرض في العلو و ضوئه   للعصبة السارين جدّ قريب
.................................
بقلم : عبد الوالي علي
Masterpieces VII  عن معرض
From: 12-7-2009 To: 15-9-2009
قاعة الفن بالزمالك
............................................
يمكنك زيارة هذا الرابط
http://www.zamalekartgallery.com/en_exhibition.php?exhibitionID=1040&artistID=6&availiable=

أرشيف المدونة الإلكترونية