الاثنين، 17 نوفمبر 2014

مدينة الدهشة _ مقال مختصر



 إننى إذ أعده حارساً علي أبراج الماضي .. هذا هو أبو الهول .. حارس الأهرامات ، فإننى أقدم لك اليوم يا صديقي حارس أبراج الحاضر .. هذا هو ___ محمد عـبلة..


فإذا كنت مثلي تهوي التوقف عند البنايات تحت الإنشاء لمراقبة مدي دقة البنائين و البنايات ذات السكان لتـفقد نواحيها الجمالية فيمكنك الإنضمام إلينا نحن لجنة المعاينة .. إننا ذاهبون لإستلام أبراج المهندس المصري العصري محمد عبلة ... سننتظرك عند منتصف شارع البرازيل بضاحية الزمالك لنتجه سوياً إلي قاعة الفن .. نعم نعم .. إنها أبراج مضغوطة و لكنها عملاقة كذلك و ستري .. أو .. عفواً إذ نحن علي عجل .. علينا مناقشة سكان هذه الأبراج أولاً و سيكون هذا بمدخل البناية ، فقد أخرجهم عبلة جميعاً لحين الإنتهاء من عملية الفحص و الإستلام .. لقد عرفت الطريق فيمكنك اللحاق بنا إذن ، ماذا ؟ .. لا لا .. لا تلتفت لهذا .. ما زاد عن طابق ٍواحد ٍعند الفنان فهو برج .. إحضر فوراً يا ساكن السطح .. ألا يخصك برج الحمام هذا ؟ .. و هذا الموضوع يخص الجميع .. حتى أصحاب الأبراج الضائعة عليهم الحضور كذلك ، هناك شئ يا صديقي .. حين تأتي لا تلتفت عند دخولك إلي هذه اللوحة إلي اليسار .. إنها أول ما رسمه الفنان حين قام بزيارة حينا السكنى ..... وددت لو قلت له _ بديع الحسن ما هذا التجنى _ .. لا تغضب .. علي ما يبدو لم يكن بعد قد تعرّف إلينا نحن العشوائيون .. ستلحظ هذا في تتابع بريق لوحاته و الذي يصل إلي ذروته في لوحات الأهرامات الثلاث و سأرشدك إليها ، لقد داعبني عندها الفنان أن طوبنا الأحمر جميلٌ كذلك و لا داعي لإزالته .. شهادة سأصر عليها لدي زبانية الحي .. و لو أسرعت بالحضور إذ بدأت أشعر بالحرج .. طوبنا الأحمر منتشرٌ بالفعل داخل القاعة بشكل ٍ مؤذ .. فكم هو ودود ٌ هذا الرجل إذ أحس بي فأخذني إلي حي ٍ منعزل ٍ تاركاً وراءه عبارة غريبة _ كلٌ يستلم ما يخصه _ لا أدري أيعنيها أم جاءت عفوا !؟ .. إنه مربعنا السكنى و هذه هي حارة الخوخي !!.. هذا هو برج الحاج قنديل ذو الأعمدة الخرسانية المتربة لمشاكله مع الحي بناصية الحارة ، لقد أطلق الفنان علي لوحتنا * برج 19 * و ترك الحي الكئيب عن يميننا يبحث عن إسم .. فبيوت هؤلاء بلا واجهات اللهم إلا من سكانه القدامي و كما ستري فهم الأعلون .. إنهم أصحاب الزوايا و المحاريب .. و أمـّـا نحن فها هومسجدنا بأعلي يمين اللوحة .. هااا .. ها هي غرفتك يا صديقي .. هناك هناك.. أعلي السطح الشرقي الأوسط .. السطح الأعلي تركيباً و الأدنى تفكيكاً .



إسمع يا صديقي .. تذكر هذا الأمر جيداً .. إذا سألك أحدٌ عن جيراننا بالبرج رقم 30 القائم بالطريق الدائري .. قل لا يتبعنا لا يتبعنا .. ستعرف السبب حين تأتي .. لا توجد كهرباء و .. !! .. يا للبشاعة ... إنهم عشوائيون.



سأظل في انتظارك يا صاحب أبراج الحمام هذه صاحب التغريب كما يقول الفنان إذ لاحظ أعلام دول ٍ أخري تزين أبراجك كما هي اللوحة الرابعة و العشرون .. سأتجول بين الأحياء السكنية المختلفة ، يقول الراوي بالفرشاة في ملحمته هذه أن الآخرين يبدأون بتشييد المنازل لتتحول بعد عشرات السنين إلي أطلال .. أمـّـا نحن العشوائيون فنبدأ بتشييد الأطلال لتتحول بعد عشرات الأيام إلي منازل !! .. لا يدري شيئاً .. دعنا منه .. هااا .. هذا هو البرج 092 .. إنه برج المحمول كما تري لأعلي برج القاهرة الملحق به .. و إلي هناك طابق ٌ تمت إزالته بالبرج 29 و لم تتبق منه إلا ذكريات ترويها هذه الخلفية السماوية .. و المنازل التي أخلتها الحكومة من السكان و لا تزال نوافذها القديمة تقول أنها مأهولة !! ربما كانت القطط الضالة ، كذلك هو البرج 11 فلتحرص علي الإبتعاد عنه لعدة أمتار يا صديقي ، هذا الفنان يعشق مصر القديمة كما أعرف عنه .. إنه البرج المائل بشارع حسن الأكبر و كما تري تتصدره نوافذ العمال أصحاب الدعامات .. يمكنك التعرّف علي أحوالهم من ألوان نوافذهم هذه .. هناك من يعمل و هناك من يعاني البطالة و منهم من تعاني منه برامج تنظيم الأسرة .. هذا هو أباك فوق السلم بشرفة بيت عائلتكم القديم يمارس هوايته في طلاء المنزل كل ستة أشهر بألوان لا تتفق مع ألوان جيرانه .. إنه البرج 37 ذو الحداثة الوهمية كما يحكي جانبه الزجاجي إلي اليسار منه ..



و إن أباك هذا الذي لم يستطع عبلة إخراجه مع الآخرين لبارعٌ حقاً في كسر القوانين .. هذه القوانين التي ينتجها هذا البرج إلي الجوار .. لا .. إنهما برجان يعلو أحدهما فوق الآخر .. أظنهما مجلسي الشعب و الشوري .. رقم البرج ؟ .. لا عليك من رقمه يا صديقي .. إتبع الضحكات فقط .. و لكن ؟ .. أين أنت الآن ؟ .. تعبر النيل مقترباً من هنا ؟ .. جميل .. فأنا الآن عند أبراج الأخوة النيليين .. لقد فضـّـل الفنان أن يسجلهما ليلاً .. ربما ليظهر ذلك الفارق الجوهري بيننا و بينهم .. فبينما نشتهر نحن الحـُـمـْـر بالتلاعب بقوانين البناء يشتهرون هم بالتلاعب بالأضواء .. إن حظهم من الإعلانات أوفر منا .. و العجيب أننا نحن الذين نشتري بتطبيق قانون النسبة و التناسب الرياضي .. و عجيب ٌ أمر هذا البرج النيلي 27 .. إن انعكاس لوحات إعلاناته علي صفحة الماء يسطر أشياءً أخري بعضها لا يقرأ !.. و أمـّا البرج الآخر فسكانه ظرفاء للغاية .. لقد جاءوا ببعض العشوائيين و أسكنوهم أعلي البرج لمقاومة الحسد ..



إن نسبة الزجاج لديهم كبيرة للغاية و هذا يجعلهم مكشوفين .. و يجعل الأضواء تنسكب منهم تكاد تصل إلي الأرض فأعطنى يدك يا صديقي إذ أتيت مرحبا بك و لنتجه إلي الطرق الدائري الذي لم تطلع عليه الشمس حتى الآن .. فإلي جواره لوحات الأهرامات كما هي بالطبيعة .



أنظر .. لا أدري أهي عبقرية الفنان أم هي مصادفة هذا التتابع الجميل للألوان .. و لا أدري لماذا أشعر أن اللون الأصفر بلوحة خفرع جميلٌ كما لم أره من قبل .. هناك شئ في مجال هؤلاء القوم يشبه عالم الطباخين .. و إلي منتصف هذه اللوحة ستجد منزلين يغازل أحدهما الآخر .. و إلي يمينهما هذا السقف من القش ينتظر سيجارة أحد أصدقاءنا ليشتعل الحي كعادته كل مساء ... أنظر إلي هذا المنزل بأسفل لوحة خوفو .. لقد فقد نصف أسنانه !! .. إن محمد عبلة هو الوحيد القادر علي أن يريك أسنان المنازل و يريك إياها أفواهاً و عيونا .



فلقد سألته عن هذه الضحكة الواسعة لهذا المنزل بالبرج 35 فأجابنى بأن هناك برج ٌ انهار لم يكمل العام في حين أتم هو المائة منذ يومين !!! .. و سألت عبلة كذلك عن هذا البيت الأثري يعلو آخراً أحدث منه فقال ايؤبركتلاخلر ..!!!... قد تصدقه أنت .. أمّا أنا فأعتقد أنه سهو العباقرة .



تعالي إلي لوحة منقرع لتري ما فعله أحد جيراننا .. لقد مارس هوايته في الكتابة علي الجدران .. هنا هنا .. بمنتصف اللوحة .. لقد كتب _ بسم الله _ شعور مستحب.. و غير المستحب هو كتابة آيات الله حيث لا مجال لحفظها .. و لكنها عادة نيلية متأصلة .. و سنظل دائما أمام لوحة خوفو نستعير منها الأحجار .. إنها تقول شيئاً جميلاً .. في البدء جاء طوبٌ عشوائي و لكنه سرعان ما استجاب لفروض المدنية و التحضر .. و لقد دار الزمن دورته و ليجئ هذا الطوب من جديد .. هل سيستجيب كسابقه ؟ .. إنها إجابة يحملها قادم الأيام .. هذا الذي لا يزال مظلماً مثلما نحن الآن و قد حل الظلام و لم نفرغ بعد من كل أبراج المدينة ، إنها الآن كالأشباح و لا نستطيع قراءة ماضيها .. و إن صدي صوت الأقدام ليبعث الرهبة في قلبي حقيقة .. ما رأيك أن نسجل هذا ** لا تزال المدينة ممتدة الأطراف .. و مع طلوع شمس الغد ستكون هناك حكايات أخري و ربما إضافات جديدة كذلك ** هيا نصافح عبلة يا صديقي ..



........................ إلي اللقاء أيها الفنان............................
.............................................................................



عن معرض _ أبراج القاهرة _ للفنان محمد عبلة .. قاعة الفن بالزمالك



سجل عنه / عبد الوالي علي



القاهرة في 30 / 12 / 2010



ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة الإلكترونية